الجمعة، 11 مايو 2012

المعونة الامريكية نقمة يجب التخلص منها

المعونة الامريكية نقمة يجب التخلص منها
==========================
ما دفعنى لكتابة هذا المقال ان الكثير لا يفهمون الهدف من المعونة الامريكية لمصر وخاصة أن موضوع الأموال والاستثمارات والموازنات أمر تخصصي قد لا يحسنه الكثيرون ولا يراه البعض إلا من الجانب الوطني العاطفي المحض، وهذا لا شيء فيه، ولكن المرء يشعر بألم أن يجد من يحب يتم استغلاله بشكل أو بآخر لدوافعه الوطنية حيث مصالح أقوام آخرين.

حيث إن أمر المعونة معروض بصورة تخالف الواقع، ولا ننسى أن الأمور قد تعرض على البعض من خلال تقارير مخابراتية ملفقة لصناعة موقف ورأي عام على غير حقيقته، وخاصة أن غالبة الحقائق تم إخفاؤها عمدا لصناعة بطولة وهمية للبعض ليكتسبوا بها دعما شعبيا الله وحده يعلم ماذا سيفعلون به.

لذلك رأيت الكتابة في موضوع المعونة بالأرقام حتى نستطيع تبيّن حقيقة الأمر وخاصة أن الكونجرس الأمريكي قد أقر المعونة لمصر في اكتوبر الماضي وأصبحت جزءا من الميزانية الأمريكية وأداؤها لمصر طبقا للشروط واجب عليهم فور توافر السيولة لها، والزوبعة المقامة حاليا زوبعة مصطنعة لاصطناع بطولة وهمية ليس أكثر، ولولا استغلال أحد دعاتنا الأحباء فيها ما كتبت فيها شيئا.

فمنذ عام 1979 و عقب توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، دأبت الولايات المتحدة على تقديم معونة لمصر تقدر بـ 2.1 مليار دولار، منها 1.3 مليار دولار معونة عسكرية لا يتم تخفيضها أو النقاش حولها و815 مليون دولار معونة اقتصادية، وتلك الأخيرة يتم تخفيضها بشكل تدريجي سنويا بنسبة 5%، منذ عام 1998 باتفاق مع الحكومة المصرية لتصل إلى 250 مليون دولار في العام الحالي، وتنتهي خلال السنوات القليلة القادمة .

وإليكم أرقام محددة لأوجه إنفاق المعونة الاقتصادية خلال الخمسة والثلاثين عاما الماضية وقيمتها 28 مليار دولار  .

1.3  مليار دولار لقطاع الزراعة وإدارة الموارد المائية، و4.5 مليار دولار للخدمات، و5.9 مليار دولار لمشروعات البنية الأساسية شاملة مياه الري والصرف الأساسية كالصحة وتنظيم الأسرة والتعليم، و6.7 مليار دولار للواردات السلعية، و3.9 مليار دولار للمعونات الغذائية، و3.3 مليار دولار تحويلات نقدية ومعونات فنية في مجال إصلاح السياسات والتكيف الهيكلي كالتدريب وتقديم الاستثمارات، أكثر من 415 مليون دولار لأكثر من 296 شركة قطاع خاص لتمويل الواردات من الولايات المتحدة.

والنظر للأرقام المجردة يجعل المرء يستشعر قدرا من الحسرة على فقد مثل هذه الهبة القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية لمصر، ويستشعر قدر الضرر الذي سيصيب الاقتصاد المصري قبل العسكرية المصرية من حرمانه من هذه المعونة الكريمة، لذا أود النظر بتمعن خلف هذه الأرقام حتى نستطيع تقييم الموقف بدقة .

أولا: توجد بمصر هيئة الرقابة على المعونة الأمريكية، وكان عدد موظفيها عدة مئات، وكانوا يتمتعون بكافة الحصانات التي يتمتع بها الدبلوماسيون؛ هذا العدد تقلص جدا بعد حرب العراق حتى وصل إلى مائة وخمسين موظفا فقط، مرتباتهم في هذه الوظائف العليا تخصم بالكامل من المعونة الممنوحة لمصر على الرغم من عدم وجود مثل هذه الهيئة في الطرف الآخر من معاهدة السلام، ووجود هذه الهيئة واضح من اسمها، وأنها لرقابة مصر قبل رقابة المعونة.

ثانيا: رغم أن مبلغ المعونة المقدم لمصر يعد أقل من المبلغ المقدم لإسرائيل بحوالي نصف مليار دولار إلا أن هناك فارقا آخر، فأغلب ما يقدم لإسرائيل يقدم نقدا وما يتم تقديمه في صورة سلع أو أدوات أو برامج فنية يكون بناء على طلب إسرائيل، أما مصر فكانت المعونة كلها عبارة عن معدات وأدوات ومشاريع وبرامج غالبية القائمين على تنفيذها أمريكان، أو معتمدة على خبراء أمريكان حتى تقدمت مصر بطلب عام 1984 لتحويل جزء من المعونة في صورة نقدية فتم اعتماد تحويل مبلغ 101مليون دولار زادت عام 1992 إلى 200 مليون دولار بشرط استخدامها في سلع ومعدات أمريكية وربطها بإصلاحات اقتصادية ترى أمريكا أنها ضرورية لتحرير الاقتصاد المصري، وربطها كذلك بإصدار قوانين فتحت الباب لخصخصة القطاع العام وقطاع البنوك والتأمين، ومنعنها من تنفيذ أي مشروعات مشتركة مع أي دولة دون موافقة أمريكا!

ثالثا: المعونة العسكرية المقدمة لمصر لا يسمح فيها بشراء معدات وأدوات عسكرية مصرية على الرغم من السماح لإسرائيل بشراء معدات وأدوات وأسلحة إسرائيلية من قيمة المعونة، وهذا بدوره أدى لتطور التصنيع العسكري الإسرائيلي مقابل تخلف التصنيع العسكري المصري، لتوافر المعدات والأسلحة من المعونة، فتم توجيه المصانع الحربية للعمل في سلع مدنية، هذا جانب، أما الجانب الآخر فإن أمريكا لا تعطي مصر الأسلحة التي تطلبها مصر ولكنها تعطي مصر الأسلحة التي تريد هي إعطاءها لمصر، وأحيانا تأتي الأسلحة بها نقص لبعض الجوانب الفنية كما حدث في إحدى الصفقات باعتبار أن أمريكا تسلح مصر دفاعيا فقط، وبشروط المعونة افتقدت مصر لميزة تنوع مصادر التسليح، إذ لا يمكنها شراء أسلحة من دول أخري إلا بشرطين، عدم توافر هذا السلاح بأمريكا، والثاني هو موافقة أمريكا على ذلك.

رابعا: تمويل قطاع الزراعة بمعدات وخبرات أمريكية كان مشروطا بتقليص زراعة القمح وعدم تطوير بعض المحاصيل وعدم استغلال بعض المناطق للزراعة.

خامسا: المساهمة في القطاع الصحي كان يوجه أغلبه لمواجهة زيادة عدد السكان من خلال عيادات الأسرة القائمة على شعار "أسرة صغيرة تساوي حياة أفضل" ووسائل منع الحمل.

سادسا: المساهمة في قطاع التعليم كان مشروطا بتطوير التعليم بمشاركة الأمريكان وموافقتهم على أعضاء اللجان القائمة على ذلك، وكان لهم تدخلات شوهت الثقافة المصرية وأدخلت مصطلحات غريبة على قطاع التعليم .

وأخيرا: لا يتم الاستعانة بشركات مصرية للمساهمة في مشروعات المعونة ألا بشروط، وموافقة أمريكية، و85% تقريبا من الشركات التي تم الاستعانة بها كانت ملك مجموعة ساويرس تحديدا لسبب غير معلوم!

وهناك واقعة حدثت منتصف الثمانينات توضح لنا كيف تستغل أمريكا موضوع المعونة لخدمة أهدافها العدائية تجاه مصر، فكان مشروع إنشاء محطة صرف صحي بمدينة الغردقة التي تقع على ساحل البحر الأحمر، وتم تصميمه على أن تتم تنقية مياه الصرف قبل إلقائها في البحر الأحمر، ولشهرة الغردقة بشواطئها فتم مد مواسير الصرف داخل البحر مسافة 2000 متر وتنتهي مواسير الصرف بغرفة صغيرة مقامة في قاع البحر! ولغرابة التصميم تم فحصه بعد انتهاء العمل وانصراف الأمريكان والمفاجأة أن الغرفة الصغيرة في آخر مواسير الصرف لم تكن إلا محطة لرصد حركة الغواصات بالبحر الأحمر!

ومثل هذا الكثير، فبنوك الدم المقامة بالمعونة الأمريكية في جنبات مصر يتم فيها التعامل الأمريكي مباشرة مع أول دفعة من المتبرعين، وكان يتم التأكد من عمر المتبرع ومكان ولادته، ومكان إقامته ونقل عينات مع البيانات إلى أمريكا، وهذا أمر يعلم رجال المخابرات أنه يمكن من خلاله تكوين خريطة بالحالة الصحية للبلاد، يستطيع خصومك عسكريا استخدامها جيدا في أي حرب كيماوية أو بيولوجية.

يجب أن نفهم إذن أن ربط المعونة دائما يكون لصالح الولايات المتحدة وليس لصالح مصر، وهو كذلك مبدأ معلن وليس سرا لأن القانون الأمريكي يفرض على الحكومة إنفاق أموال دافعي الضرائب الأمريكية على مصالح أمريكا فقط .

ومما سبق يتضح أن أثر المعونة على مصر كارثي بكل المقاييس، وأن مصر لن تنهض ولن يستقل قرارها إلا بقطع هذه المعونة، أو جعل شروطها في أيدينا نحن، وليس في يد أمريكا كما فعلت إسرائيل، ويجب ألا ننسى أن اللواء العصار  وهو في أمريكا قال: إن العلاقة بين الجيش المصري والجيش الأمريكي هي رأس مال الجيش المصري وهى حجر الزاوية للعسكرية المصرية!

والمطلوب فعلا وفي عبارة واحدة:  "إن كان مال دافعي الضرائب في أمريكا لخدمة أمريكا  فقط فليكن القرار المصري لخدمة مصر فقط"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق